” الساخر كوم ”
لا أدري ما علة صدري ، وعلة نغزاته التي تنعشه وتحزنه معاً ، وذلك عند تذكره ما مضى !
أهو الوفاء ؟!
أم هو الحنين فقط ؟!
سبحان الله ..لدي خصلة لا أدري أأذمها أم أشكرها ، -أعني الإعجاب بالماضي- ؟!
حتى الأماكن لها من شجني مزار ، بل لها مرقد كامل الأبهة ..!! تأتي هذا المرقد فئام من المشاعر والأحاسيس تطوف حوله ، وتقبل ذا الجدار وذا الجدار ، وتلثم ذا الذكرى وذا الذكرى !!
فمن عاداتي وطقوسي التراجيدية أنني وإذا ما زرت بلداً درست فيه ، أو مكانا جلست إليه ، أو حتى طريقاً عبرته يوماً ما ، عبور مزحوم مكدود ، أقول : من عادتي أن أعود إلى ذلك المكان وأتنفس منه نسائم أطياف زيارتي السابقة إليه..!
لا أدري ما ترجمة ذلك ؟
أهو الوفاء الأصيل ؟! أم الحنين الساذج ؟!
حسناً ..لنجعله حنينا ، فلعل هذا أقل في التزكية للنفس الأمارة بالطناش !
الحنين .. شعور صدري غريب !
هو أمشاج من المشاعر مختلطة و متداخلة في بعضها البعض ! ففي الحنين تجتمع الانتعاشة الروحية ، بالوخز الشجني الحزين !
في الحنين تنتعش رياح الصدر الإيجابية ، وفي الحنين تتسارع عواصف الحزن السلبية ، فيعتملان في الصدر ، وأيهما انتصر كان أشقى له !
في الحنين تشتغل حتى الفسيولوجيا ..!
فمغص البطن !! وتسارع نبضات المذكور بكل خير وشر -أعني :m: – ، ووجوم الوجه ، وتقلص الشفتين ، كل ذلك يعني بأن غارة حنين مقبلة فاعجل إليها !
عن نفسي .. يعز على فراق كل شيء !
حتى مواقع النت العتيقة في مفضلتي يعز علي فراقها !
حتى في الماسنجر الكتابي ، يعز علي فراق حروف سامرتها وسامرتني أسابيع عددا !!
من طرائف مشاعري ، وأضحوكات تصوري ، أنني دخلت قبل قليل إلى ” رموز ساخرة ” ! فوجدت أسماء علمت أنها لملمت محابرها وانتقلت إلى صفحات أخرى ، ( فأرض النت واسعة ) ! هذه الأسماء المهاجرة والتي لم أقرئها قبل ولم ألقها بعد ، شعرت بسبب هجرتها بقصف حنين على مواقع كنت أحسبها حصينة من قلبي !
أمجنون أنا أم وفي ؟!
لا مبالاة .. فقد قال حبر العربية الضخم – المتنبي – عن وفائه العجيب ، وألفته الشاذة في المعايشة : –
خلقت ألوفاً لو رجعت إلى الصبا *** لفارقت شيبي موجع القلب باكياً !
وهذا البيت قال عنه الواحدي أنه : رأس في صحة الإلف ، وذلك أن كل أحد يتمنى مفارقة الشيب ، وهو يقول لو فارقت شيبي إلى الصبى لبكيت عليه لإلفي إياه !
الحمد لله ..لست بمجنون إذن !!
ولأعود إلى تخريفتي الخريفية ..
بالمناسبة .. في فصل الخريف بالذات تنشط كريات دم الحنين عندي في هجومها !
ما السبب ؟!
أتصور أن العلة تكمن في الدراسة !! فمواسم الدراسة في طفولتنا تبدأ دوماً في نهايات الصيف وبدايات الخريف ، والدراسة وكآبتها الطفولية من أكثر مايشدنا للماضي !
دفء الشتاء وارتعاشة الخريف !!!
من أكثر الأبيات التي تعتسف مزاجي وتخرجه عن استوائيته !!هذا الوصف أحسب أن قائله – السياب – كان ذا نباهة واقعية حين وظفها في قصيدة ” أنشودة المطر ” !
آه نسيت المطر !
أتصور أنني من أكثر خلق الله له حباً ! – حتى اسألوه 🙁 – وكثير من أصدقائي يتندرون من حالة السفاهة التي تنتاب رزانتي حين نزول المطر !
اللهم أنزل علينا الغيث ولاتجعلنا من القانطين !
نعود إلى دفء الشتاء وارتعاشة الخريف ، كتبت عنه ذات سذاجة خريفية سابقة : ” لا أدري ماذا يحدث لشجني حين أقرأ أو أستعيد قراءة ذا الوصف (دفءُ الشتاء ..وارتعاشةُ الخريف ) .فعندما أستشعر هذا الوصف ،وأمزجه بطيب الذكريات ،ولهف الماضي ،أشعر بتسارع نبضات قلبي ،وازدياد في نَفَسي ،ودمعةٍ لا هي تنزل وتريحني ولا هي تبقى في خدرها حتى يأذن الله لها أو يتوفاها الموت !!
كل ما أتذكره جيداً ويمرُ في خاطري سريعا أيامُ الطفولةِ الجميلةِ البريئة ، وتلكمُ النسمات الباردة التي تهب على أجسادنا النحيلة بعد العصر وقبيل المغرب، مُؤذِنة بتباشيرِ الشتاء والأمطار والمدارس ، يقابل مصافحة اللقاءِ هذه، تلويحةُ الوداع لأوراق الأشجار المتساقطة والمودعة لنا على أمل صيف قادم !!
وهذا الوصف (ارتعاشة الخريف) يقابلهُ أخٌ لهُ كريم أعني ( دفء الشتاء) !!ذاك الحنون الكسول ،المؤنِس لنصفِ ساعةٍ أو تزيد بين طعام الغداء بعد الوصول من المدرسة ،وبين آذان العصر ، لنعود بعدها للقرفصاء والتأحح !!
إيه ياتلك الأحايين !!
هل لكِ من عودةٍ أم قضى الله ألا تلاقيا ؟!!
دفء الشتاء … وارتعاشةُ الخريف .
يالها من دقةٍ في الاختيار ،وياله من عزفٍ مقصود على وتر القلب ونياطه ،وجميل التذكر وأساه ،ولهف الذكريات وصداه .. دفء الشتاء وارتعاشة الخريف !!
دفءُ الشتاء … وارتعاشةُ الخريف .
إن أردتها خفقة عاشق فلك ذلك .. وإن أردتها تأوهَ متذكرٍ فنِعِمَا اخترت .. وإن أردتها وصف طبيعةٍ فلا إنكار في مسائل الخلاف !!.
دفء الشتاء .. وارتعاشة الخريف .
عندما كنا نعرفه كنا نعرف معه كل شئ ،الهواء والطبيعة والناس والملابس والجديد والقديم والصديق والعدو ،ونحس فيه بتعاقب الأيام وتصارم الأحوال ..وإصباغ الجديد ، وتحول القديم ..!!
دفء الشتاء .. وارتعاشة الخريف !!
سلام على تلك النسائم تنعش صدورنا ،وتلك الغمائم التي لم تعد كما كانت هاطلةً ممطرة !!
دفء الشتاء .. وارتعاشة الخريف !!
سلامٌ على انتظار القادم ، وتوديع المغادر ، فلم نعد نحفل بمن راح وجاء !!!
سلام على التطفل والمغامرة ، فلم يعد هناك جديد !!
سلام على الانتظار والترقب ، فلم يعد هناك رغبة !!
سلام على اللقاء ، فلم يعد هناك وداع ..وسلام على الوداع ، فلم يعد هناك لقاء !!
سلام على الجمال ، فلم يعد هناك قبح .. وسلام على القبح ، فليس هاهنا جمال !!!
وسلامٌ ثم سلامٌ على .. دفء الشتاء .. وارتعاشة الخريف !!!”
انتهت تخريفتي الخريفية السابقة ، ولم ينته معها شجني !!
وعلى الخريف نلتقي !!
ممتعض .
Archived By: Crazy SEO .
0 التعليقات
إرسال تعليق