وهذه أربعون طرفة ومُلحة ، اخترتها لكم بعناية ، واستللتها لكم عن دراية ، نزعاً للابتسامة ، وطرداً للسآمة ، وتخفيفاً عن الروح ، وتجديداً لأطوال الوجه ، وتمديداً لعضلاته . فإلى ما اخترته أترككم .
– 1 –
مزاح نبوي
يروى أن عجوزاً أتت الرسول عليه الصلاة والسلام تطلب منه أن يدعو لها بدخول الجنة ، فقال : ” لا يدخل الجنة عجوز ” . فولت تبكي ، فدعاها وقال : ” أما سمعت قول الله سبحانه : ” إنا أنشأناهن إنشاءً ، فجعلناهن أبكاراً ، عرباً أترابا ” .
ويدخل عليه الصلاة والسلام السوق فيجد صحابيا يدعى زاهراً وفي رواية ” أزمهر ” وكان يقول عنه ” زاهر باديتنا ونحن حاضرته ” ، أقول فوجده يبيع متاعه في السوق فيحتضنه من خلفه فيقول ” زاهر ” : أرسلني ، من هذا ؟ فلما عرف أنه النبي صلى الله عليه وسلم صار يمكنه من صدره الشريف ، وجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول : ” من يشتري العبد ” فقال : يا رسول الله تجدني كاسداً ؟! فقال عليه الصلاة والسلام : ” ولكنك عند الله لست بكاسد ” !
ويجيء أحد الصحابة إليه صلى الله عليه وسلم فيقول : أريد أن تحملني على جمل ، فيرد عليه الصلاة والسلام : ” لا أجد لك إلا ولد الناقة ” ، فولّى الرجل فدعاه وقال : ” وهل تلد الإبل إلا النوق ؟! ”
فصلى الله عليك ماذر شارق يا رسول الله بأبي أنت وامي .
– 2 –
صفاء الذهن !
رأى أبو بكر رضي الله عنه رجلاً بيده ثوب ، فقال له : هو للبيع ؟ فقال الرجل : لا أصلحك الله ! فقال الصديق رضي الله عنه : هلاّ قلت : لا ، وأصلحك الله ، لئلا يشتبه الدعاء لي بالدعاء علي !
– 3 –
هكذا هكذا وإلا فلا !
قال يهودي لعلي بن أبي طالب – رضي الله عنه – : مالكم لم تلبثوا بعد نبيكم إلا خمس عشرة سنة حتى تقاتلتم ؟
فقال علي – رضي الله عنه – : ولم أنتم لم تجف أقدامكم من البلل حتى قلتم ” يا موسى اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة ” ؟!! فأفحمه .
– 4 –
دقة بدقة !
يروى بأن معاويةً رضي الله عنه قال يوماً لأهل الشام ، وعنده عقيل بن أبي طالب : هل سمعتم قول الله عز وجل : ” تبت يدا أبي لهب وتب . ما أغنى عنه ماله وما كسب ” قالوا : نعم . قال : فإن أبا لهب عم هذا الرجل ، وأشار إلى عقيل . فقال عقيل : يا أهل الشام ، هل سمعتم قوله تعالى : ” وامرأته حمالة الحطب . في جيدها حبل من مسد ” قالوا : نعم . قال : فإنها عمة هذا الرجل ، وأشار إلى معاوية .
** وكانت أم جميل زوج أبي لهب عمة معاوية رضي الله عنه .
أتُراه يفعلها ..؟!
واستعمل معاوية رضي الله عنه عاملاً من قبيلة كلب ، فخطب يوما ، فذكر المجوس فقال : لعنهم الله ينكحون أمهاتهم ، والله لو أُعطيت عشرة آلاف درهم ما نكحت أمي . فبلغ ذلك معاوية فقال : قبحه الله ! أترونه لو زادوه فعل ! وعزله .
– 5 –
صبر الفقيه على السفيه !
وللفقيه الشعبي رحمه الله تعالى مُلاحات وطُرف ، فهاكم منها :
– جاءه رجل فقال : إني تزوجت امرأة وجدتها عرجاء ، فهل لي أن أردها ؟ فقال له : إن كنت تريد أن تسابق بها فردها !
– ولقيه رجل وهو واقف مع امرأته يكلمها ، فقال الرجل : أيكما الشعبي ؟ فأومأ إلى المرأة وقال : هذه !
– وسأل رجل الشعبي عن المسح على اللحية ، فقال : خللها بأصابعك . فقال الرجل أخاف ألا تبلها ! فقال الشعبي : إن خفت فانقعها من أول الليل !
– 6 –
ثقةٌ مفرطة !
جيء للحجاج بأحد الخوارج فلما رآه قال له : إني لأبغضك ! فأجابه الخارجي : أدخل الله الجنة أشدنا بُغضاً لصاحبه !
– 7 –
” صدق وهو كذوب “
وتنبأ رجل في زمن المنصور فقال له المنصور : أنت نبي سفلة ، فقال الرجل المتنبي : جُعلت فداك كل نبي يبعث إلى قومه .
– 8 –
يافرج الله !
سئل أحد البخلاء عن الفرج بعد الشدة ، فقال : أن تحلف على الضيف فيعتذر بالصوم .
– 9 –
لا بأس !
ونظر أبو شراعة العتبي في المرآة فرأى دمامة وجهه فقال : الحمد لله الذي لا يُحمد على المكروه سواه !
– 10 –
لم يأخذ فرصته !
أُخذ رجل ادعى النبوة أيام المهدي ، فأُدخل عليه فقال له : أنت نبي ؟ قال : نعم . قال: وإلى من بُعثت ؟ قال : أوَ تركتموني أُبعث إلى أحد ؟ ساعة بُعثت وضعتموني في الحبس .
– 11 –
استنتاج !
مرّ رجل بأشعب ، وكان يجر حماره ، فقال له الرجل مازحاً : لقد عرفت حمارك يا أشعب ولم أعرفك .
فقال أشعب : لا عجب في ذلك فالحمير تعرف بعضها !
– 12 –
“الولد سر أبيه “
قال رجل لامرأته : الحمد لله الذي رزقنا ولداً طيّباً . قالت : الحمد لله فلم يرزق أحد مثل ما رُزقنا به . فدعيا ولدهما ، فجاء ، فقال له أبوه : يا بني من حفر البحر ؟
قال : موسى بن عمران .
قال : ومن بلطه ؟
قال : محمد بن الحجاج .
فشقت المرأة قميصها ، ونشرت شعرها ، وجعلت تبكي .
فقال زوجها : ما بك ؟
قالت : لا يعيش ابني مع هذا الذكاء !
– 13 –
حرٌ فيما يملك !
قصد رجل الحجاج بن يوسف فأنشده :
أبا هشام ببابك *** قد شمّ ريح كبابك
فقال : ويحك ! لم نصبت : أبا هشام ؟
فقال : الكنية كنيتي ، إن شئت رفعتها ، وإن شئت نصبتها !
– 14 –
الاحتياط واجب !
عاد بعض المغفلين مريضاً . فقال لأهله : آجركم الله . فقالوا : إنه حي لم يمت بعد ، فقال : يموت إن شاء الله .
– 15 –
تشابه أسماء !
دخل أحدهم على بعض الحشاشين وهم يشربون الحشيشة فانتهرهم واعظاً وقال : حرام عليكم !
فأجابه الحشاشون : وعليكم الحرام ورحمة الله وبركاته !
– 16 –
رابط منطقي !
نظر أعرابي إلى رجل سمين فقال : أرى عليك قطيفة من نسج أضراسك .
– 17 –
الموت مع الجماعة رحمة !
دخل طفيلي على قوم يأكلون ، فقال : ما تأكلون ؟
فقالوا – مستثقلين لحضوره – : نأكل سماً !
فأدخل يده وقال : الحياة حرام بعدكم .
– 18 –
تسبيحه له ، وسجوده علينا !
سكن بعض الفقهاء في بيت سقفه يقرقع في كل وقت . فجاءه صاحب البيت يطلب الأجرة ، فقال له : أصلح السقف فإنه يقرقع ! قال : لا تخف فإنه يُسبح الله تعالى . فقال : أخشى أن تدركه الخشية فيسجد !
– 19 –
أهم شيء الشرف !
قالت امرأة أحد الظرفاء لزوجها – وكانت حبلى – ونظرت إلى قُبح وجهه : الويل لي إن كان الذي في بطني يُشبهك ! فقال : بل الويل لك إن كان لا يُشبهني !
– 20 –
كلام صحيح !
لما ماتت حمادة بنت علي بن عبد الله بن عباس ، وقف الخليفة المنصور على شفير قبرها ينتظر الجنازة ، وكان أبو دلامة حاضراً ، فقال المنصور : ما أعددت لهذه الحفرة يا أبا دُلامة ؟
فقال أبو دلامة : عمةُ أمير المؤمنين يؤتى بها الساعة !
– 21 –
هذه هي السياسة
يحكى بأن نصيباً الشاعر قد تزوج على زوجته أم محجن ، ثم أراد أن يجمع بين زوجتيه ، ليُصلح بينهما . فقال لأم محجن : إني أكره أن ترى بك زوجتي الجديدة خصاصة وفقراً ، فخذي هذا الدينار ، واعملي لها غداء به .
واتى إلى زوجته الجديدة وقال لها : سأجمعك بأم محجن ، وهي ستكرمك ، وأكره أن تدخلي عليها خالية ، فتظن أنك فقيرة محتاجة ، فخذي هذا الدينار ، وأهدي إليها شيئاً به . وأمر كلاً منهما أن تكتم خبر دينارها .
ثم قال لصاحب له : غداً سأجمع زوجتيًّ فتعال إلي مسلماً ، فإني سأستبقيك للغداء ، فإذا تغديت فسلني عن أحبهما إليَّ !
فلما كان الغد زارت زوجته الجديدة أمَّ محجن ، وحضر صديقه . فلما تغدوا قال له صديقه : أحب أن تخبرني عن أحب زوجتيك إليك . فقال له : سبحان الله ، أفتسألني عن هذا ، وهما تسمعان ؟ . قال : فإني أُقسم عليك لتخبرني . فقال نصيب : أحبهما إليَّ صاحبة الدينار . والله لا أزيدك على هذا شيئاً !
فامتلأت نفس كل منهما سروراً ، وهي تظن أنه قصدها وحدها .
– 22 –
اختيار موفق !
قيل لأعرابي : أي وقت تحب أن تموت ؟ قال : إن كان ولا بد فأول يوم من رمضان !
– 23 –
الصراحة راحة !
ودخل اعرابيٌ على يزيد بن المهلب وحوله الناس . فقال : كيف اصبح الأمير ؟ فقال يزيد : كما تحبُ أن يكون ، فقال الأعرابي : لو كنت كما أحب ، لكنت أنت مكاني ، وأنا مكانك !
– 24 –
بلل ساعة ولا عُري يوم !
روي عن أعمى أنه أتى يوماً يغتسل من عين فدخل بثيابه ، فقيل له : بللت ثيابك ، فقال : تبتل عليّ أحب إليّ من أن تجف على غيري !
– 25 –
لا تيأس !
مر طفيلي على قوم كانوا يأكلون ، وقد أغلقوا الباب دونه ، فتسور عليهم من الجدار وقال : منعتموني من الأرض فجئتكم من السماء !
– 26 –
ورعٌ بارد !
وجد يهودي مسلماً يأكل الشواء في نهار رمضان ، فطلب منه أن يُطعمه ، فقال المسلم : يا هذا إن ذبيحتنا لا تحل لليهود . فقال : أنا في اليهود مثلك في المسلمين !
– 27 –
كان الله في عونها !
قيل : كان بعض الكبار توضع على مائدته كل يوم دجاجة فلا تؤكل بل تُرفع ثم تُسخن في اليوم الثاني فتقدم بحالها ، فقال بعض الحاضرين : دجاجتنا هذه من آل فرعون تُعرض علىالنار غدواً وعشياً .
– 28 –
علموا أولادكم الأدب !
سأل بعض الخلفاء ولده – وفي يده مسواك – : ما جمع هذا ؟ قال : ضد محاسنك يا أمير المؤمنين .
– 29 –
الطريق إلى قلب الرجل يمر بمعدته !
كان أبو الحارث حسين يُظهر لجارية من المحبة أمراً عظيماً ، فدعته وأخرت الطعام إلى أن ضاق ، فقال : يا سيدتي مالي لا أسمع للغداء ذكراً ؟
فقالت : يا سبحان الله ! أما يكفيك النظر إليّ وما ترغبه فيّ من أن تقول هذا ؟!
فقال : يا سيدتي ، لو جلس جميل وبثينة من بكرة إلى هذا الوقت لا يأكلان طعاماً لبصق كل واحد منهما في وجه صاحبه !
– 30 –
شاعرة والله !
عرضت على المتوكل جارية شاعرة ..فأمر أبا العيناء ليختبرها – وكان ضريراً – . فقال أبو العيناء للجارية : أتقولين الشعر كما يقولون ؟
فقالت الجارية : نعم أقوله وأجيده .
قال أبو العيناء : إليك شطراً واحداً فأكمليه : الحمد لله كثيراً ..
فقالت الجارية : حيث أنشأك ضريراً !
– 31 –
الدقة في الاختيار !
سأل رجل أبا الغصن : أيهما أفضل يا أبا الغصن ، المشي خلف الجنازة أم أمامها ؟ فقال أبو الغصن : لا تكن على النعش ، وامش حيث شئت .
– 32 –
في الخلط بركة !
عض ثعلب أعرابياً فأتى راقياً فقال الراقي : ما عضك ؟ فقال : سبع . واستحيا أن يقول ثعلب . فلما ابتدأ بالرقية ، قال : واخلط بها شيئاً من رقية الثعلب !
– 33 –
ما أسوأ الكذب !
رفعت امرأة ولدها للقاضي واشتكت له كثرة عقوقه لها ، فقال له : يا بن أخي ، أما سمعت الله يقول : ” فلا تقل لهما أف ” ؟ فلطمها وقال لها : متى قلت لك أنا ” أُف ” ؟!
– 34 –
الاختصار إلى آدم !
كان فتيان من قريش يرمون فرمى واحد منهم ، من ولد أبي بكر وطلحة .فأصاب الهدف ، فقال : أنا ابن عظيم القريتين ( مكة والمدينة ) . فرمى آخر من ولد عثمان , فأصاب الهدف فقال : أنا ابن الشهيد عثمان بن عفان . ورمى رجل من الموالي ( العبيد ) . فأصاب الهدف فقال : أنا ابن من سجدت له الملائكة . فقالوا له : من هو ؟ فقال : آدم !
– 35 –
ضريبة التفاصح !
دخل خالد بن صفوان الحمام ، وكان فيه رجل ومعه ابنه ، فأراد الرجل أن يُسمع خالداً ما عنده من البيان والنحو ، فقال لابنه : يا بني إبدأ بيداك ورجلاك . والتفت إلى خالد قائلاً : يا أبا صفوان ، هذا كلام ذهب أهله ! فكان رد خالد : هذا كلام ما خلق الله له أهلاً !
– 36 –
لا داعي للهمز واللمز !
كان أعرابيان يطوفان بالبيت ، فكان أحدهما يقول : اللهم هب لي رحمتك ، فاغفر لي ، فإنك تجد من تعذبه غيري ، ولا أجد من يرحمني غيرك .
فقال الآخر : اقصد في حاجتك ولا تغمز بالناس !
– 37 –
مرةً أخرى : الصراحة راحة !
قدم رجل من فارس على صاحب له ، فسأله صاحبه : قد كنت عند الأمير ، فأي شيء ولاّك ؟ فأجاب الرجل : ولاّني قفاه !
– 38 –
زوجة نحوي !
جرى بين أبي الأسود الدؤلي وبين امرأته كلام في ابن لها منه وأراد أخذه منها . فسارت إلى زياد وهو والي البصرة ، فقالت المرأة : أصلح الله الأمير ، هذا ابني كان بطني وعاءه ، وحجري فناءه ، وثديي سقاءه ، أكلؤه إذا نام ، وأحفظه إذا قام ، فلم أزل بذلك سبعة أعوام حتى إذا استوفى فصاله ، وكملت خصاله ، واستوكعت أوصاله ، وأملت نفعه ، ورجوت دفعه ، أراد أن يأخذه مني كرها ، فآدني أيها الامير ،فقد رام قهري ، وأراد قسري .
فقال أبو الأسود : أصلحك الله ، هذا ابني حملته قبل أن تحمله ، ووضعته قبل أن تضعه ، وأنا أقوم عليه في أدبه ، وانظر في أوده ، وأمنحه علمي ، وأُلهمه حلمي ، حتى يكمل عقله ، ويستحكم فتله .
فقالت المرأة صدق ، أصلحك الله ، حمله خِفاً ، وحملته ثِقلاً ، ووضعه شهوة ، ووضعته كرهاً !
فقال زياد : اردد على المرأة ولدها فهي أحق به منك ، ودعني من سجعك .
– 39 –
ليس أنت فقط تُوَرِي !
ومن نوادر الجاحظ ما رواه عن نفسه فقال : سألني بعضهم كتاباً بالوصية ، فإذا فيها : ” كتابي إليك مع من لا أعرفه ولا اوجب حقه ، فإن قضيت حاجته لم أحمدك ، وإن رددته لم أذمك ” . فرجع الرجل إليّ ، فقلت : كأنك قرأت الرقعة ؟ قال : نعم . قلت : لا يُضيرك ما فيها ، فإنه علامة لي إذا أردت العناية بشخص ! فقال : قطع الله يديك ورجليك ولعنك ! قلت : ما هذا ؟ قال : هذا علامة لي إذا أردت أن أشكر أحداً .
– 40 –
جزاك الله خيراً !
قيل : إن الحسن بن عبدالله الجصاص الجوهري كان يُنسب إلى الحمق والبَلَه ، فقال يوماً : اللهم امسخني حورية ، وزوجني بعمر بن الخطاب . فقالت له زوجته : سل الله أن يزوجك من النبي صلى الله عليه وسلم إن كان لابد لك أن تبقى حورية . فقال : ما أحب أن أكون ضرة لعائشة رضي الله عنها .
وبعد ..
فهذه أربعون طرفة ، قطفتها لصدوركم ، وبثثتها لأرواحكم ، نشراً للأنس ، وطرداً للهم . فمن كان يريد أن يتممها أكثر فله ذلك ، شريطة أن تكون من تراثنا الفصيح ، مبتعدة عن الثلب والتجريح ، أو الإسفاف والقبيح .
والله ولي التوفيق .
ممتعض .